يقول الناس عنا إننا حزب ضال في مبادئه وتعاليمه، حزب فاسد، حزب مخرب. نسلّـم جـدلاً معهم بأننا حزب ضـال مخرب وفاسد. نحن حتى الآن لم نتسلم حكماً ولم نقم على أمر هام ولم نسيّر دفة أي جزء من أجزاء هذا الوطن بل الأمور كلها لا تزال في أيد غير أيدينا.
في الوقت نفسه نحن لم نتصدَّ لأي عمل أراد الذين يقولون أن يفعلوه. لم نحرم أحداً من أن يجرب أن يفعل لأجل خير هذا الشعب فماذا كانت النتيجة؟ النتيجة هي أنّ الأمة كلها هنا في لبنان وفي الشام وفي فلسطين وفي شرق الأردن وفي العراق الأمة كلها تئن من حالة سيئة وتتشاءم من الـمستقبل وليس لها أي ضمان تستند إليه فيما سيكون مستقبل هذه الأمة؟ هذه النتيجة ليس الـحزب مسؤولاً عنها. نسلّم أنّ هذا الـحزب فاسد ونسلّم أنّ الآخرين هم الـمهتدون وهم أهل الصلاح فما بال نتائج أهل الصلاح تسير إلى الطلاح. الدفة في أيديهم فلماذا يرتطم الـمركب بالصخور ويتكسر؟
هل نحن مسؤولون عن سوء إدارة الدفة؟ كلا. إنّ الذين يتهموننا نحن، هم الـمسؤولون عن ضياع الـمركب وارتطامه بالصخور وتبعثر الأماني والآمال.
إذا أخذنا فلسطين مثلاً وبرهاناً وليس الـمثل والبرهان الوحيد فقد كان قبلها الإسكندرونة وقبلها كيليكية، إذا أخذنا فلسطين البرهان الأخير على ما نقوله وأردنا درس فلسطين وكيف طارت من بين أيدينا وكيف صارت لشعب... لـمّا يـمر على وجوده أكثر من نحو ثلاثين سنة فمن الـمسؤول عن هذه النتيجة؟
إنّ الـمسؤولية تقع على أصحاب سياسة الـخصوصيات الذين أرادت كل فئة منهم أن تـحتكر في فلسطين جزءاً يهمها وحدها وأن تخرج به غنيمة باردة...
إنّ الـحرب في فلسطين لم تكن حرباً مع اليهود، إنّ الـجيوش السورية والعربية والـمصريـة التي زحفـت على فلسطيـن زحفـت لا لتحارب اليهود قط، بل زحفت لتحارب أهل فلسطين في أرض فلسطين.
ليس الـجندي في ساحة الـحرب مسؤولاً عن ذلك. إنّ الـمسؤول هو الذي سيَّر الـجندي وأوقف الـجندي حين أراد أن يقدم وينتصر.
على أي شيء دارت الـمعركة في فلسطين؟ إنّ الكلام الذي سمعناه وامتلأت به أعمدة الـجرائد، إنّ الاتـجاه هو تل أبيب لم يكن إلا خداعاً لنا نحن السوريين عامة. إنّ الـحرب في فلسطين كانت نزاعاً بين دويلات على ما تبقّى من فلسطين وليس على ما أخذ اليهود من فلسطين. ولا يزال هذا النزاع مستمراً لـمصلحة اليهود في فلسطين لأنه نزاع خصوصي، إنه سياسة الـخصوصيات التي لا ترى مصلحة الأمة بل ترى مصلحة «أنا ومن بعدي الطوفان» ومصلحة «من بعد حماري لا ينبت حشيش».
لا تـزال هذه الـحـرب مستمـرة في فلسطيـن. فما هي النتائج العملية؟ خراب الـمدن الفلسطينية، إنهيار ما تبقى من مجتمع سوري في فلسطيـن، خروج الفلسطينييـن من ديارهم، خسارتهم متاجرهم وأعمالهم وبيوتهم.
أي أسـاس اقتصـادي يـمكنهم أن يستندوا إليه؟ قسمت فلسطيـن إلى مناطق حسب الـحدود التي وضعتها منظمة الأمـم الـمتحدة وأضحت جسماً منهوكاً مطروحاً أمام اليهود ليأتوا ويستولوا عليه. أما الـحرب فلا تزال مستعرة ولكنها مستمرة بين مطامع ملك شرق الأردن ومطامع ملك مصر وبيـن مخاوف من الـجمهورية اللبنانية والـجمهورية الشامية ومساعي من شرق الأردن عن اختلاف في النظر بين جمهورية لبنان وجمهورية الشام.
هنا تقوم الـحرب اليهودية ولا تقوم مع اليهود مطلقاً بل قامت بين خصوصيات هذه الأمة لا بين الأمة وأعدائها، من أجل ذلك صار للأجنبي مصالح، حتى يهود آخر زمان أصبحوا يستفيدون من خصوماتنا.
هذا موقفنا وهذا يعني عراكنا نحن، العراك الداخلي في الأمة. لا يـمكننا أن نصل إلى صيانة مصلحـة الأمـة ولا الانتقـال إلى الصـراع الـخـارجي لصيانة مصالح الأمة الـخارجية قبل أن نتمكن من إنهاء الـحرب الداخلية.
إنها حرب عنيفة، إنها حرب بين إرادة الأمة وبين الإرادات الـخصوصية.
وفي هذا الصراع تقف هنا النهضة القومية الاجتماعية مؤمنة بنفسها، مؤمنة بـمبادئها، واثقة من قوّتها، فاعلة ليلاً نهاراً بلا توان ولا تأخير شاقة الطريق بإرادة الأمة متغلبة يوماً بعد يوم على الـمصالح الـخصوصية الداخلية صاهرة إياها في مصلحة واحدة هي مصلحة الأمة.
إنه صراع قد استغرق ستة عشر عاماً ولا نزال في بدء الطريق، إنه صراع يستمر إلى أن تسحق إحدى هاتين القوتين القوة الأخرى سحقاً تاماً لا قيام لها بعده. إننا نحن القوميين الاجتماعيين قد وضعنا في هذا الصراع كل سلامتنا... كل مصالـحنا، كل شيء عندنا في الـحياة لأننا لا نـجد الـحياة خليقة بأن نحياها إلا إذا كانت حياة حرية وحياة عز.
نحن نرى الـحياة حرية وعزّاً ولا نراها غير ذلك قط وقد جزمنا في أن نأبى إلا إذا كانت حياة حرية وعزّ ولذلك نحن مستعدون لأن نقدم حياتنا في كل ساعة وفي كل دقيقة من أجل الـحرية والعز ليس لنا فقط مجموع الـحزب القومي الاجتماعي بل للأمة كلها اللبنانيين وغير اللبنانيين.
هذه هي حقيقة النهضة، صراع داخلي عنيف، ثورة فاعلة أحياناً وأحياناً بطيئة وأحياناً مستعجلة وأحياناً حارة وأحياناً باردة وأحياناً دامية، ولكن الـحقيقة الأساسية هي أننا لسنا بـمنثنيـن عن عقيدتنا وعن عزمنـا أبداً ولسنا بواضعي سلاح الـحرب إلى أن تنتصر حياة الأمة وحريتها وإرادتها على السياسة الـخصوصية والإرادات الأجنبية.